في لحظة التي بدأت أصاحب فيها ملك الموت, ظهر أبي مرة ثانية في حياته على أساس أنه كان تحت تأثير السحر عنده تركه لعائلته تعاني دون أن يشعر بحنين إليها أو يندم على ما فعله بها. سامحته مرغمة عني, يكفيني أن أرى ابتسامة أمي, فهي لم تصدق نفسها عندما رأته و كأن شيئا لم يحدث فما زال قلبها ينبض بحبه. أول قرار اتخذته بعدما أصبحت أتماثل للشفاء هو نزعي للحجاب كثورة على أبي, ثم قررت الابتعاد عن والدي و العيش مع أخي في مدينة أخرى.
انتهى الصيف حيث اعتقدت أن مشاكلي هي الأخرى ستنتهي معه, غيرت تسريحة شعري, غيرت أسلوب لباسي, غيرت مدرستي لأنتقل إلى مدرسة أخرى تعتبر من أسوأ تجاربي في الحياة, حيث عانيت من مختلف أنواع التنمر من طرف أبناء العائلات الغنية, بل الأكثر من ذلك بلغ الحد في بعض الأحيان إلى مهاجمته لمنزلي, عندما طفح كيلي و لم أجد من ينصفني قررت للمرة الثانية التوقف عن الدراسة, دخلت في اكتئاب حاد و الذي تسبب لي في عدة مشاكل عضوية, لأعيد بذلك نفس الشريط الذي عيشته قبل المزيد من الأطباء و المزيد من الأدوية , و لكن الجديد هذه المرة هو أنني اخترت الخروج من هذا الوضع و تجربة الحياة بطريقة أخرى, و أنا في طريقي إلى البحث عن الحياة التي سأختار صادفت الحب لأول مرة, سأكون غير منصفة إن لم أقل أنني استفدت من هذه التجربة و عشت أياما حفرت في ذاكرتي و ساعدتني على الوقوف و التقدم في حياتي, لم أعد و لأول مرة بعد سنتين من المعاناة أشعر بأي ألم بل كل ما أصبحت أشعر به هو همسات الحياة, في مدة شهرين أصبح لي العديد من الأصدقاء, أصبحت أحضر عدة حفلات موسيقية, أصبح لي عمل, و الأهم من ذلك أصبحت لي حياة أحبها, من سخرية القدر بعد أن عرفت الشخص الذي أحببته حينذاك بعائلتي و أصبح هو سر سعادة اتضح لي فيما بعد أنني كنت مجرد دمية كانت تلهيه في أوقت فراغه, لا تستطيع الكلمات شرح شعور بعد ذلك و لكنني هذه المرة لم أضعف و خاصة عندما علمت أنني رسبت لسنتي الثانية, قررت الخوض في الحياة بكل قوة هذه المرة, رجعت إلى دراستي مرة أخرى و غيرت شعبتي, بدأت في تثقيف نفسي و تطويره جربت الخوض في عدة مجالات مختلفة زادتني تجربة في الحياة و ساعدتني على النجاح و فرض نفسي في مجتمع مليء بالذئاب البشرية, نجحت في دراستي بامتياز, نجحت في كل الميادين التي خضتها حتى أصبح لي اسمي وزن يحتذى به, و ذلك بعدما انتقلت الى العيش مع والدي برفقة أمي, هنا استغل أبي الوضع بامتياز حيث أصبح يستغل تفوقي ليظهر نفسه على أنه ذلك الأب منفتح الذي يساند ابنته الصغرى لنجاح وسط مجتمع ذكوري, بل أصبح يدعي أنه يحميني من أعداء تقدمي, و هذا الذي يجعلني بالرغم من نجاحي و تقدمي مازلت أشعر أنني لم أحقق شيء في حياتي مادمت أحارب الظالمين و المجرمين في المنابر و أتستر على مجرم جعلني أعاني مختلف أنواع الآلام و العذاب في حياتي, يقولون أن الفتاة التي تربت على حب أبيها لها ستظل دائما أميرة مع نفسها و أنها لا يمكن أن تنخدع بحب مزيف, فماذا عني أنا؟
من سخرية القدر استطعت تجاوز جميع الصعاب في الحياة, و وجدت الحياة التي أريدها, أصبحت أستطيع أن أرى نجاحي في أعين الآخرين و الأهم من ذلك افتخار أمي بالطريق التي أصبحت أسلكها, فالمتاعب التي مررت بها علمتني كيف أرسم طريق نجاحي و لكنها لم تعلمني طريق النجاح في لعبة الحب, فكلما زاد نجاحي في حياتي زاد فشلي في الحب. فالشرقي كيفما كان متقدما, رجعيا, سلفيا, اشتراكيا, ليبراليا… ستظل المرأة المثقفة عدوته اللدود. فالرجل الشرقي, لا يهتم بالشعر ولا الشعور. الرجل الشرقي, لا يفهم المرأة إلا داخل السرير. فهنيئا للقدر و سخريته لأنني و أخيرا قررت أن أعتزل الغرام فيكفينا غرامي لنفسي و فكري.
-النهاية-