قصة من وحي الواقع(5)~تليتماس سعو ~

يوماً بعد يوم، جسد أُمي ينحفُ ووجهُها يفقِدُ نضارته، كزهرة قُطع عنها الماء و ما عاد أحد يوليها آهتماما..
ولكن في يوم من الأيام، و بينما كُنتُ أُساعدُها في إعداد الغذاء ،أحسَّت بمغصٍ و دُوار شديدين ، و لم تلبث واقفة حتى أُغمي عليها ..و من حُسن الحظ أن أبي يومها لم يذهب إلى العمل مُبكرا كعادته..صرختُ و طلبتُ من أبي أن يأتي بسُرعة ، وهنا استدعى أبي الاسعاف وأخذها الى المستشفى.

image

دخل علينا الطبيب، وقال إن صور الأشعة المقطعية قد وصلت، وطلب ان يحدث أم و أبي على آنفراد. اذكر هذا الموقف بكل وضوح. طلب الطبيبُ من مُساعدته أخذي خارج الغرفة ريثما يُنهي حديثه مع مريضته،التي هي أمي و أبي بحُكمه أنه زوجُها .
أمسكت الممرضة يدي و أخذتني للقاعة المُجاورة التي كانت تتضمن لُعبا و قصصا تُبقيني مُنشغلة إلى حين آنتهاء مع والداي..لم أُحس بالوقتِ يمضي حين أتت أمي هي و أبي لأخذي للمنزل..في طريق العودة لم يتحدثا. إكتفيا بنظراتٍ يتبادلانها كلهآ حب و عطف..إكتفيا بلغة العيون كي يتحدثا في وجودي ( على أساس أنني لا أفهم أنهما يُحبان بعضهما)..بالرغم من صِغر سني، كُنت أفهم أمورا تفوقُ عُمري..
لا أعلمُ لم، لكن بمُجرد وصولنا للمنزل، طلبت منَّا أمي أن نجتمع في غرفة المعيشة..كان التوتر و القلق بادِيين على مُحيا أُمي بشكل لم نعهدهما من قبل..إجتمعنا حولها هي ووالدي لننصت بعناية..بعد التردد، قال لنا أبي أن أُمي تُريدُ إخبارنا بأمر ما..

يوميات مهاجر إلى بلاد الجرمان (15) ~مهدي يعقوب~

image

دق على باب الشقة الثانية ، و هو يسأل الله أن يكون هذا البيت أحسن حالا من الآخر ، فتحت له امرأة في الخمسين من عمرها أو يزيد ، سبقها قطها ، إلى الباب ، و نظر إليه متفحصا ، فسمع له مواء عجيبا كأنما يرحب به ، و راح يراقبه من بعيد ، حتى قطعت المرأة حبل الوصل بين الإثنين
ـــ أهلا ، هل أنت الجار الجديد ؟
ــ نعم أنا هو ، اسمي مهدي يعقوب ، يمكنك مناداتي بيعقوب ، فهذا الإسم سهل في نطقه بالنسبة لكم ، يااكوب
ــ مرحبا ، الظاهر أنك من المسلمين ، هل تتبع تنظيما معينا ؟
ــ لا يا سيدتي ، أنا مسلم و كفى ، لماذا يجب علي الإنظمام لتنظيم معين ؟
ــ لا أعلم ، أصبحت أخاف من المسلمين ، بسبب الأبراج !
ــ و هل كل الالمان يمجدون هتلر ؟
ــ كلا ، و هل في هتلر شيء يمكن أن نمجده من أجله ؟
ــ لكل منا إيجابياته و سلبياته ، يمكن أن تغلب السلبيات على الإيجابيات ، غير أن هتلر ليس هو هو إبليس بعينه !
ــ هذا حديث يطول ، هيا تفضل إذا كان لديك شيء من الوقت
ــ لنترك هذا الأمر فيما بعد ، أنا اقوم بزيارة لكل الجيران الآن
ــ حسنا سعدت برؤيتك ، أنا اسمي ستيفاني
ــ سعدت بمعرفتك سيدتي
و الحق أنه تملص من الدخول ، نظرا للخلوة ، و هو الذي تكلم توا عن إبليس ، سيجده بانتظاره بالداخل ، في كمين مركز ، هو الذي لا يأمن على نفسه الفتنه !
نزل إلى الطابق الثالث دق الباب ، ففتح ، و كأنما ساكنه كان ينتظر طارقه !
ـــ أهلا سيدي ، أنا جاركم الجديد ، أسكن بالطابق الرابع ، فوقكم تماما ، و أردت أن نتعارف من أجل تعامل افضل
ــ أهلا أهلا ، تفضل ، ارجوك ، فقدماي لا يساعدانني على الوقوف طويلا !
ــ حسنا ، دخل البيت ، فإذا به بيت ألماني تقليدي ، و صورة من القي عليه شبه عيسى عليه السلام متصدرة مكانا مشرفا على حائط الحجرة !
ــ تفضل ، سأنادي على زوجتي ، و نأتيك بعد لحظات
ــ تفضل سيدي
بعد هنيهة أتيا ، يساعدان بعضهما البعض على المشي ، و جلسا قبالته
بادرته المرأة قائلة
إذا أنت جارنا الجديد !
ــ نعم سيدتي
ــ لم أعلم أن الحظ سيسعفنا و تشتعل هذه العمار شبابا من جديد !
ــ لم يا سيدتي ، فهناك شابان يسكنان فوقكما !
ــ لا تكلمني عنهما ، فهما يفعلان شيئا تشمئز منه نفوسنا ، و لو أننا كنا أنا و زوجي شابين ، ما بقينا في هذه العمارة !
ــ في الحقيقة ، ذاك شيء مقزز فعلا ، غير أننا في المانيا !
ــ لكل شيء حدود ، و حتى إن كنا في ألمانيا ، فهذا لا يعني أن كل الألمان موافقون لهذه القوانين التي تحكم هذا البلد
ــ جميل
ــ و ماذا تصنع في المانيا أيها الشاب ؟
ــ جئت من أجل الدراسة !
ــ و هل تنوي الرحيل بعد إتمام الدراسة ، أم أنك ستبحث عن وسيلة هنا من أجل البقاء ؟
احس من خلال السؤال أنه يجر جرا إلى حوار بطعم العنصرية المقيتة و الخوف من الآخر ، و إلا فماذا تعني هذه الكلمة ، وسيلة من أجل البقاء ! فبادرها قائلا
ــ لا أعلم هل سأبقى على قيد الحياة حتى الغد ، فكيف لي أن أدري !
ــ لا يقول ما قلت إلا متدين !
ــ الحياة بدون دين ضرب من الشقاء !
ــ و بماذا تدين ؟
فوجدها فرصة للإنقضاض و قال :
ــ بالله الواحد الفرد !
ــ حسنا ، سيطول بنا الحديث ، هل تريد شيئا من القهوة أم أنك تفضل الشاي ؟
ــ كلا يا سيدتي لا داعي لذلك ! فيجب علي أن أكمل زيارتي الجوارية
ــ حسنا مرة أخرى على أية حال ، فلتعدني أنها لن تكون آخر زيارة لك لنا ، و لا تسلك سبل أطفالنا الذين رحلوا عنا منذ زمن ، و لم نعد نسمع أخبارهم إلا في نادر النادر !
ــ أعدك بذلك !
حسنا مع السلامة ، أيها الشاب
و الحق أنه أحس في نظراتهما بالخوف المبطن ، مما يعتقدان أنه يحمل من متفجرات فكرية و مادية ، و لم يعتب عليهما فذلك خطأ الإعلام الموجه !
أحس بالضيق فقرر أن يخرج ليستريح ، فلم يكن من السهل أن يكلم هؤلاء الناس الجيران ، الذين يظنون أنه أتى إلى بلادهم غازيا و قبل أن يخرج من باب العمارة ، وصلت أذناه جملة جعلته يستدير بشكل مضحك ، من فرط التعجب و الخوف
ــ ألا يمكنك أن تخفف من وطأة مشيك أيها الشاب ، أنا امرأة مسنة و لا أتحمل مثل هذا !
ــ أرجو المعذرة سيدتي ، فلم أعر انتباها ، فعلا ، فقدماي ما شاء الله كبيرتان ، و الدرج في هذه العمارة مصنوع من الخشب القديم ، فينتج عن تفاعل الأخيرين شيء من الإزعاج ، سأعمل المرة القادمة على أن أمشي على أطراف أصابعي !
ــ بالرغم من أنك أجنبي ، إلا أنك تتقن الألمانية شيئا ما ، و فوقها تتقن فن السخرية !
ــ اشكرك على الإطراء ، و بالنسبة لسخرية ، فأنا لا أسخر منك ابدا ، إنما كنت أعني ما قلت !
ــ هل جئت لزيارة أحد في هذه العمارة ؟
ــ كلا أنا الجار الجديد الساكن في هذه العمارة !
ــ ماذا ؟ كيف سمحت سيدة العمارة بأن تسكن فيها معنا أسمر بشرة !
تقبل الإهانة بصدر رحب ، و أحس في قرارة نفسه ، أنه يجب عليه أن يخاطبها على قدر عقلها ، فسنها يوحي بشكل مخيف أنها من عصور النازية الأولى ! ، أجابها بهدوء :
ــ يجوز لأسمر البشرة في أحيان أن يكون أبيض القلب كالحليب !
همهمت بأشياء لم يفهمها ، لتقول :
ــ لا أدري لماذا لا أشعر بالإرتياح لك ، و قل لي بحق السماء ، لماذا لم تحلق ذقنك ، و ما هذه اللحية التي تجعلك تظهر بمظهر أكبر من سنك !
ــ شيء جائز أن لا تحبي اللون الأسمر ، و أن تميلي إلى الشقر ، فالألوان و الأطعمة لا تناقش ، لكل منا ذوقه الخاص ، فأنا مثلا لا أحب أكل السمك ، و بالرغم من ذلك ، لا أحب أن أحكم على طعام قبل تذوقه ! أما اللحية ، فلحيتي لا تزال صغيرة ، و عمري يظهر جليا علي ، ليست كبيرة ، كيست كثيفة !
ــ في أيام هتلر ، لم يكن للسمر الحق في التجول في ألمانيا ، أما الآن …. يا حسرة على ايام الشباب الضائعة ، حينما كانت ألمانيا تسود العالم
ــ و لماذا دمرت إذا كانت فعلا تسود العالم !؟ و لماذا انتحر سائدها ؟
لم تجبه ، و اكتفت بتقطيب حواجبها بنظرة باردة ، لم يشعر لها بإحساس ، غير أنه أحس بتغير طبعها شيئا ما ، فواصل حديثه :
ــ العالم كبير سيدتي ، كما أنه صغير جدا ، ألا تعتقدين أنه في أمكنة كثيرة في هذا العالم ، يوجد أناس طيبون يستحقون الإحترام ، و التحدث ، و الإطلاع على تفاصيل حياتهم ؟ أنا على سبيل المثال ، طالب هنا في المانيا ، و أنوي دراسة الصحافة ، فهل تسمجين لي بأن تكوني لي مرجعا ، بكونك امرأة عايشت عصورا تركت بصمتها على صفحات التاريخ ؟
ــ لا يهتم أحد بامرأة مسنة مثلي ، إلا إذا كان أحمقا !
ــ فاسمحي لي أن أكون ذاك الأحمق
ــمن يتكلم بهكذا كلام لا يكون أبدا أحمقا !
ـ كم سنك سيدتي ؟
ــ شارفت على الخامسة و الثمانين !
ــ تشرفت بمعرفتك سيدتي
ــ تعال ، هيا تفضل في منزلي أيها الشاب ، تعال
ــ حسنا ، فلنتكلم قليلا ، و لكن ليس قبل أن تعديني ، بعدم الحكم علي قبل أن تعرفيني جيدا !
ــ أعدك
دخل شقتها ، و طالبته هي بأن يخلع حذاءه ، و أحس و هو يخلعه ، أنه داخل إلى حقبة أخرى من الزمن ، كأن هذه الشقة مركبة كبيرة تسافر عبر الزمان ، كانت شقة بسيطة ، غير أنها حوت بين جنباتها الكثير من الذكريات ،و كان فعلا الداخل إليها يحس أنه في عصر هتلر ، كان كل شيء يوحي بعصور الثلاثينات و بداية الأربعينات ، صور لهتلر ، و صور أخرى لم يتعرفها ، حتى بادرته هي بالرد على سؤاله الذي لم يغادر شفتيه أصلا
ــ أولائك أبنائي الثلاثة ، و هذه صورتي مع زوجي
ــ و أين هم الآن ؟
ــ زوجي غادر الدنيا ، و أبنائي عني تخلوا ، تخلوا عن الرغبة في رؤيتي منذ زمن ، ربما لأن نصف عقلي ذهب !
ــ متأسف جدا يا سيدتي من أجل ذلك !
ــ لا عليك ، عرفني بنفسك !
ــ اسمي يعقوب ، سني 20 سنة ، و جئت إلى ألمانيا من أجل الدراسة ، جئت لأدرس الصحافة و الإعلام و قد قادتني الأقدار من أجل أن أعيش بينكم في هذه العمارة
ــ يعقوب ، اسم جميل ، اسم نبي
ــ هو كذلك
ــ ما هي ديانتك ؟
ــ ديني الإسلام !
ــ أولائك الذين فجروا الأبراج في أرض أمريكا !.
ــ و لماذا لا تقولين أولائك الذين يتبسمون ، و يضحكون ، و لأناس مهجورين يسمعون ؟
ــ لا أدري لماذا تشعرني كلماتك بالخجل
ــ جميل جدا ، ابتدأنا فعلا في اكتشاف طريق التفاهم بيننا
ــ يا للسماء ، من كان يظن أن إديلتراوت ، تكلم اسمر بشرة في منزلها !
ــ من هي إيدلتراوت ؟
ـ ذاك اسمي
ــ تشرفت بمعرفتك سيدتي ، هممم ، أين وعدك الذي أعطيتني ؟
ــ لم يكن ذلك تعجبا ، بل تغيرا في طبعي ، فلا أخفيك أني لم أكن أحب الأجانب ، غير أني غيرت رأيي حينما تحدثت معك ، و الدليل أنني أدخلتك منزلي
ــ أعتقد أن هذه الجلسة الصغيرة لن تفيدنا في شيء ، أعتقد أنني يجب أن أطلب منك السماح لي بزيارتك كلما سنحت لي فرصة الوقت و الفراغ !
ــ بكل سرور ، مرحبا بك في اي وقت ، سوف اسعد بذلك !
ــ حسنا ، أريد أن أتكلم لك عن أشياء أعلما ، و تكلميني عن أشياء أعلم بعضها ، و أجهل أكثرها ، مثلا أريد أن تكلميني عن هتلر ، و عهد النازية
ــ و أنا اريد أن تكلمني عن دينك
ــ بكل سرور
حسنا ، أعتقد أنك مستعجل شيئا ما !
ــ علي أن أذهب إلى التسوق ، ربما اراك غدا
ـ حسنا مع السلامة
ــ مع السلامة
خرج من عندها ، ارتدى حذاءه الذي يشبه حذاء عسكري خارج للتو من ساحة وغى ، و فتح الباب ، و خرج ، كان الجو باردا ، غير أنه بدأ في التعود شيئا ما ، و كان قرأ ، أن المسلمين عموما ، و سكان افريقيا خصوصا ، لهم خصوصية التعود و التأقلم مع كل الأجواء و المناخ ، بنسبة تفوت الشعوب الأخرى ، ذهب إلى اقرب محل تجاري ، و قد كانت المحلات التجارية مرتعا كبيرا لأناس ، أدمنوا التسوق ، و كان يجدهم كلما أتى إلى ذلك المتجر ، و كان الشارع الواحد في ذلك الربع ، يحوي متجران إلى 3 متاجر ، كلها مصفوفة ، و كلها تحصل رقم مبيعات يومي ، يريحها ماديا ، بسبب إدمان الشراء الذي استشرى في مملكة الألمان ، كعدوى مرض خطير آت من بلاد الأمريكان ، النظام الرأسمالي ظاهر بشكل جلي في كل الأشياء المحيطة !
في السوبر ماركت كان لديه وجهتان مفضلتان ، وجهة رفوف الشوكولاتة ، التي أحبها منذ صغره ن و لم يستطع يوما مقاومتها ، و رفوف الياغورت ، و الجبن ، و كانت ألمانيا وجهة مناسبة له ، فيما يخص هذه الأشياء التي يحبها ، فالأثمنة مناسبة ، و ذلك لأن ألمانيا تعتبر منتجة كبرى لمنتجات الألبان و الشوكولاتة ، و قريبة من سويسرا أكبر مصنع للشوكولاتة في العالم ، و هولاندا المشهورة بجبنها اللذيذ ، فكان حينما يأتي إلى المتجر ، يعرفه العاملون هناك ، و يشيرون إليه إذا كان هناك شيء جديد في السوق ، لذلك كان يخصص أوروهات مهمة من نقوده الشهرية من أجل أن يقتني ما يحبه ، ثم يذهب بعد ذلك إلى رفوف الخضر و الفواكه التي فقدت طعمها من فرط الكيماويات ، لأنه لم يستطع مقاومة حنينه إلى الطبخ ، فقرر أن يتعلم ، و أن يبدع في هذا المجال ، فليس من المعقول أن يذهب داذما للأكل في مطاعم المدينة ، لأن ذلك سيدمر جيوبه لا محالة ، و لأنه سئم ذلك ، فليس أحسن من الطبخ ، و أكل ما تصنعه يداك ، و ليس احسن من فار تجارب تجرب فيه طبيخك ، من بطنك و معدتك التي بين جنبيك !
و كان عليه أن يرجع بما اشتراه ، حاملا إياه لأمتار معدودة ، فكانت رحلة التسوق دائما حلوة في بدايتها ، حازمة في وسطها حينما يصل إلى المكان المخصص لأكل النقود ، مؤلمة في آخرها بسبب الثقل الذي يجب عليه حمله ، و من ثم استيعابه لأربع طوابق متواصلة ، و في طريقه ، كان يشتري الخبز التركي الذي أحبه ، فقد كان الأتراك يصنعون خبزا عجيبا ، خبزة كبيرة ، تسمى فلادن بروت ، ب 50 سنتا ، بطعم حبوب تركية نباتية ، يعرف طعمها ، و لا يعلم اسمها و كانت هذه التجارة تدر ربحا كبيرا ، لأن الكثير من الالمان يقعون في غرام خبز الأتراك ، الشيء الذي يجعل المنافسة تشتد بين الأتراك و بين المخابز الألمانية ، التي تبيع خبزا ذا جودة رائعة ، غير أنه ليس في متناول الجميع من ناحية السعر …
رجع إلى منزله ، أحس بتعب ، فراح في نومة إلى غاية الفجر ، مستعدا ليوم جديد ، و مغامرات جديدة في دنيا الألمان !

في غد إن شاء الله تعالى
خيال بين دروب الجامعة !

(مراجعة كتاب )حفلة التفاهة ~ميلان كونديرا~

بقلم : سلمى وعمرو

image

مجددا، يأتي كونديرا على ما تبقى عندي من بقايا تعريف الرواية التقليدية. ويؤكد بأن خضوع الرواية لقاعدة وحدة الحدث ما هو الا مقصلة لفن الرواية نفسه.
إن أية محاولة للحديث عن رواية حفلة التفاهة قد تبوء بالفشل، لان الاحداث سرابية يصعب ترتيبها في جمل. فكما تمكّن من ان يجعل احداث وشخصيات “كتاب الضحك و النسيان” قابلة للنسيان بسرعة. يتمكن مجددا هنا في “حفلة التفاهة” من ان جعل الاحداث تنبثق من جوهر التفاهة نفسه لدرجة يصعب معها الحديث عن الأحداث/اللاأحداث.

بعد توقف عن الكتابة دام ل14عاما يعود ميلان كونديرا سنة 2014 برواية “حفلة التفاهة” الصغيرة الحجم (110ص). وربما تكون الرواية الوحيدة التي لم يأت فيها ذكر التشيك من قريب او من بعيد. أهذا يعني أن الكاتب التشيكي الأصل اعتنق الثقافة الفرنسية بالكامل خلال الأربعة عشر سنة التي خلت؟ أم أنه يرى أن التشيك وتاريخ التشيك لا يمكن حشره في رواية تحتفل بالتفاهة وتحفل بها؟ هو الذي جعل من قصر الكريملين و ستالين و أصحابه شخوصا مهمة في روايته.
ويمكن حصر ثيمات حفلة التفاهة في اثنتين:
أولا : جوهر التفاهة.
من ريشة تحلّق تحت السقف شدّت جميع الأعين إليها، إلى افتتان غريب بالسّرة -ذلك العضو البشري اللاجنسي الذي نملكه جميعا ولا نهتم لوجوده ابدا-، إلى طموح سخيف في الخلود جعل ستالين يغير اسم مدينة كوينغسبير مسقط رأس كانط إلى كالنينغراد على اسم صديقه كالنين  رئيس مجلس السوفييت الأعلى، الذي كان يعاني من مشكل في مثانته يجعله يرغب في التبول بشكل مستمر. أهناك أتفَه من هذا؟ وعن التفاهة يقول كونديرا “التفاهة يا صديقي هي جوهر الوجود. إنها معنا على الدوام وفي كل مكان. إنها حاضرة حتى في المكان الذي لا يرغب أحد برؤيتها فيه: في الفظائع، في المعارك الدامية، وفي أسوأ المصائب. وهذا غالبًا ما يتطلب شجاعة للتعرف عليها في ظروف درامية للغاية ولتسميتها باسمها. لكن ليس المقصود التعرف عليها فقط، وإنما يجب أن نحبها، يجب أن نتعلم حب التفاهة”
ثانيا : رثاء الفكاهة.
من محاسن الصدف انني قرأت كتاب الضحك و النسيان ثم أتبعته بحفلة التفاهة. كلا هذين العملين يشتركان في تعريف الفكاهة  فيقول كونديرا ” الفكاهة ليست السخرية المثيرة للضحك، بل شيء أكثر عمقا، الفكاهة هي البرق الإلهي الذي يكشف غموض العالم”، “ثمة شيء واحد أفتقده: روح الفكاهة” (الفصل الرابع الجميع يبحثون عن الفكاهة). لذا فعندما لم يستطع رجال ستالين فهم مزحة هذا الاخير بشأن الأربعة وعشرين طيرا من الحجل التي اصطادها ستالين على دفعتين (لأنه كان يحمل اثني عشرة طلقة فقط، اصطاد ١٢ ثم عاد لشحن بندقيته وعاد ليجد الحجلات المتبقية في مكانها واصطادها كذلك)  في تلك اللحظة التي لم يفهم فيها رجال ستالين المزحة ولم يضحكوا. بل اتهموه بالكذب وهم مختفون في الحمام. يعلن كونديرا أنها مرحلة مفصلية لبداية “عصر أفول الفكاهات، عصر ما بعد المزحات”.

ولا يمكنني ان اتجاوز الحديث عن النزعة العدمية القوية بين صفحات الرواية. فقد تناول كونديرا مسألة الوجود الانساني على لسان خيال أم آلان، أحد أبطال الرواية فكتب “ما تمنيته هو الاختفاء الكلي للبشر مع مستقبلهم وماضيهم، مع بدايتهم ونهايتهم، مع كل فترة وجودهم، مع ذاكرتهم برمتها، مع نيرون ونابليون، مع بوذا والمسيح. تمنيت الفناء الكلي لشجرة متجذرة في بطن صغير بلا سرة لأول امرأة حمقاء لم تكن تعرف ما تفعله، وأي أهوال كلفنا جماعها البائس الذي لم يمنحها أية متعة بالتأكيد…” وهو بهذا يستحضر الفلسفة السيورانية التي تعتبر الوجود الإنساني خطأ وأننا عالقون على هذه الأرض.
في النهاية، ماذا يطلب منا كونديرا أن نفعل الى جانب تعلمنا لحب التفاهة؟ إنه لا يطلب منا فعل شيء لأنه لا يمكننا بأي حال من الأحوال فعل شيء “أدركنا منذ زمن طويل أنه لم يعد بالإمكان قلب هذا العالم، ولا تغييره إلى الأفضل، ولا إيقاف جريانه البائس إلى الأمام. لم يكن هناك سوى مقاومة وحيدة ممكنة: ألا نأخذه على محمل الجد”. أكرر : علينا ان نتعلم حب التفاهة و ألا نأخذ هذا العالم على محمل الجد!

نبش في الماضي ~ يوسف بلخياط(اسم قلم)~

image

  
  كنت شابا يافعا أهوى المغامرات و التحديات ، أحب ممارسة جميع أنواع الرياضات ، لا أخاف من القادم ، و أمتاز برروح النكتة و الدعابة ،خرجاتي كانت كثيرة ، الكل بمدينتي يعرفونني ببساطة لأن مدينتي صغيرة تقع في أحضان جبال الريف ،و في ربيع الثالث و في ريعان شبابي رمتني الأقدار بمدينة لم أسمع  بها إلا لما تعينت هناك كمدرس ، الفرحة مختلطة بالدهشة و الاستغراب ، أمثلي سيدرس الأجيال ؟ و أنا لازلت أفكر في الهجرة و أحلم بها و أختلط بالغرب ، استسلمت للواقع من باب التجربة ليس إلا : التعليم الجذاذات ، المدير، المفتش ، الثامنة صباحا …. المهم قررت خوض التجربة ، موقع مدينتي فرض علي أن أستقيل حافلتين الأولى إلى الرباط و لم تحمل الشيء الجديد و الثانية إلى الوجهة المفروضة ، و هنا مربط الفرس هذه الرحلة جعلتني أحس بأنني أول مرة أسافر ، أخالط الناس ، أركب الحافلة … هذه المرة شيء آخر أحسست به ، شعور يداعبني تارة و يقرص أذناي تارة أخرى ، شيء ما يطرق بابي . تحدثت إلى نفسي قلت لها تشجعي لا تلفتي الأنظار حولي ما فعلناه معا يكفي لأن نكون حديدين . الآن أنا أحتاجك و أنت كذلك . عرفت أنه أخذ منك التعب نصيبه منذ البارحة و أنت مستيقظة ، تناوبت علينا جميع اللهجات و جميع الأجناس و جميع الأشكال . الأن أنا أريدك بجانبي لم أتركك يوما . الساعات تمر لا أدري أبسرعة أم ببطء ؟ في هذه اللحظة الكل نيام و النوم هاجرني وحدي فجأة توقفت الحافلة أشعلت الأضواء لأخذ قسط من الراحة و تناول وجبة العشاء  الساعة تشير إلى الثالثة ليلا ، وقفت في مكان نسيت اسمه الآن ، الكل نزل أخرجت سيجارتي أتشممها أتحسسها ، كما أني أول مرة أدخن أتفحص المكان كل شيء غريب الجدران الالوان اللهجة أم اللغة رائحة الطعام قهقهات الضحك ، فعلا الغربة صافحتني عانقتني و أخيرا صفعتني ، أحسست أني لازلت صغيرا على خوض غمار هذه التجربة … السجارة و السجارتان لم تعد تكفياني ، همست نفسي في أذني أنها جائعة ظمآنة ، دخلت المطعم مسرعا قدمت طلبي انتظرت دوري لا مجيب أعدت الكرة هملني غيرت المحل نفس المصير ، عرفت أني لا أتكلم لغتهم آه و آه و ألف آه ماذا أفعل ؟ اشتكيت لعلب السجائر التي أحملها في جيوبي ، السجارة أصبحت صديقتي تؤنسني عقدت العزم أن لا أتركها دخنت و دخنت حتى رن جرس الحافلة الكل صعد و لم أتناول إلا دخان سجائري و لأول مرة أخذل نفسي لم أنصفها أقنعتها أنه لهذا السبب دخنت و سأبقى أدخن ، تكمشت نفسي في زاوية مختبئة خائفة و تركتني أواجه مصيري لوحدي ، الأفكار تتضارب في رأسي أحسست بقسوة بني البشر هاجت علي الأفكار أغرقتني ، الساعات تمر و أنا أحاول الخروج من بحر أفكاري ، بدأ الظلام يتبدد و نور الصباح يطل نظرت من النافذة فوجدت الجبال ليست كالجبال الطريق ليست كالطريق الضحكات التي أسمعها مزعجة ….  صارعت أمواج أفكاري لأجدد قوتي و أتعاقد مع نفسي بطريقة أخرى سمعت السائق يقول على سلامتكم و صلتم الساعة تشير إلى التاسعة صباحا . للحديث بقية

أدبياتي (3) ~ تأشيرة الأديب ~إدريس المحدالي~

خرجت منسلخا من قبضات سحب التيه والعدم، إلى حياة الأنوار المشرقة على شاطئ الأدب، حيث الكتاب الحيارى المكلومين بوقع خيانة جرائد الورق لمواهبهم و خيانة دور النشر لإبداعاتهم بالرفض. ترى الشعراء هائمين سكارى بقصائدهم وما هم بسكارى، شغوفين بإيقاعات كلماتهم البئيسة الخارجة من نهر التيه إلى شاطى الأدب قبل الإبحار من جديد. أصبح حلم يوم من الأيام حقيقة بمجرد وقوفي أمام بوابة شاطئ الأدب، تقدم حراس الأدب شدادا غلاظا لا يعصون “قيود الإبداع” ما أمرتهم. طوقوني قبل الوصول إلي وصادرو كل مسوداتي، أوراقي والأقلام. حتى فمي كمموه برأيهم جاثمين على صدر الموهبة بكل ثقلهم. ثم قادوني بعنف لا يليق بموهوب ولا يليق بالأدب. فكوا عني القيود مؤقتا…محصوا تأشيرتي الأدبية ،فالأدب أصبح له حدود كالتي نرى في الخرائط بين الدول، المختومة بأعمال لم تتجاوز شهرها السادس…بالكاد نقول عليها رضيع.
طرحوا علي سيلا من الأسئلة و كانت كل أجوبتي في حضن الأورق… فلكل سؤال ألف جواب.

image

نظروا إلى بعضهم البعض بنظرة تفاهم بينهم وكأنهم مروا من موقف مماثل لموقفي وأظنهم سيتخذون قرارا ألفوا اتخاذه. صرخ أحدهما بصوت يخترق صمت المكان:
-سنخلي سبيلك لولوج شاطئ الأدب ليس لأن أسلوبك جيد، فنحن لم نكلف أنفسنا عناء قراءة سفاهاتك فهذا ما لا تقدر عليه أفواهنا وما تعجز عنه أوقاتنا ولا تستطيع مواكبته عقولنا لسخافته فالأديب يولد أديبا بالفطرة. سنخلي سبيلك بشرط.
-وما شرطكم يا سادة المخفر؟

مما خطر لي~ إنصاف بلقاضي~

1508413_655338341277127_1311361077_n

من يستطيع أن يعرف ما سنعيشه بعد ؟ انه القدر فقط..من يملك صورة مصغرة عن حالنا..! نسيقظ صباحا على حماس لا نعرف سببه،نشعر ان هدا اليوم سيكون مختلفا عن غيره ، سيحدث شيئ مختلف،سنحقق شيئا مختلفا ، سنحلم بشيئ مختلف ، سنتعرف على شيئ مختلف ، سنزور شيئ مختلف ، سنفهم شيئ مختلف….نستيقظ و بجعبتنا شحنة كبيرة…طاقة ايجابية محظة…نظرة اخرى لعالمنا…خطط اخرى لمستقبلنا…اعذار اخرى لمن يسيئ لنا… نصبح على نسمات هواء صافية نقية…على زقزقة عصافير حرة طليقة…على ضحكات اطفال صغيرة بريئة….لكن ما ان نغادر غرفنتنا الصغيرة التي تضج باحلامنا..بأفكارنا الغير مرتبة..بسداجتنا التي توقعنا رغما عنا..حتى تضيع كل الطاقات و الشحنات…تباد كل الاحلام و الرؤيات…ما ان نشعل جهاز التلفاز و نسمع…:”فلسطين تقصف” “غزة تحت النار ” “سوريا تدمر” “ليبيا تخرب”…و ما ان نشغل هواتفنا حتى نرى…”مسلمي بورما يحرقون” “سيسي يقتل” “داعش تدبح” “بوكو حرام تفجر” و لائحة كراهية الانسان لأخيه الانسان طويلة و متوحشة.. نتمنى لحظتها لو اننا لم نستيقظ…نتمنى لحظتها لو اننا لم نغادر غرفنا…نتمنى لحظتها لو اننا لم نوقظ جهاز التلفاز من سباته الدامي و لو اننا لم نشغل هواتفنا..نكره لحظتها عروبتنا…حكامنا…رؤسائنا…اتفاقياتنا..سلامنا المفروض علينا..وضعيتنا الهشة..سداجتنا..براءتنا..نعود بعدها الى غرفة نومنا..نطفئ الأنوار..و ندخل في سبات يقظ و سؤال قلق يدور بخلدنا.. هل هدا هو قدرنا الميؤوس منه ؟